![]() |
|
|
![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع |
![]() | رقم المشاركة : 1 | |||
| ![]() شرح قصيدة الشنفري . لامية العرب . الشعر العربي . الأدب العربي . شعراء العرب . شرح شرح لامية العرب (1/10) [أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل] 1- أقـيـمــوا بــنــي أُمِّــــي صــــدورَ مـطِـيِّـكُـم فــــإنِّــــي إلـــــــــى قـــــــــومٍ سِــــوَاكُـــــم لأَمِــــيـــــلُ 2- فقـدْ حُمَّـت الحاجـاتُ واللـيـلُ مُقْـمِـرٌ وشُــــــــــدَّتْ لِـــطَـــيَّــــاتٍ مَـــطَـــايــــا وأرْحُـــــــــــلُ 3- وفي الأرضِ مَنْأَى للكريمِ عن الأذى وفــيــهــا لـــمــــنْ خـــــــافَ الــقِــلَـــى مُــتَــحَـــوَّلُ 4- لعَمْـرُكَ مـا بـالأرضِ ضيـقٌ علـى امـرِئٍ سَـــــــــرَى راغـــــبـــــاً أوْ راهـــــبـــــاً وهــوَيــعـــقـــلُ 5- ولـــي دُونَـكُــم أهـلــونَ سِــيــدٌ عَـمَـلَّــسٌ وأرْقَــــــــــطُ زُهْـــــلُــــــولٌ وعَـــــرْفَــــــاءُ جَـــــيْــــــأَلُ 6- هــم الـرهـطُ لا مُسْـتَـوْدَعُ الـسـرِّ شـائـعٌ لـدَيْــهِــم ولا الـجــانــي بــمـــا جــــــرَّ يُـــخْـــذَلُ 7- وكُــــــــلٌّ أبــــــــيٌّ بــــاســــلٌ غــــيــــرَ أنَّــــنِــــي إذا عَــــرَضَــــتْ أُولـــــــــى الـــطـــرائـــدِ أَبْــــسَـــــلُ شرح أبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي وقالَ الشَّنْفَرَى الأَزْدِيُّ ثُمَّ الْحَجْرِيُّ، وكان أصْلُه مِن الأَزْدِ مِن بني سَلامَانَ بنِ مُفَرِّجٍ، وكانتْ أمُّه سَبِيَّةً في هُذَيْلٍ بَعْدُ: 1 - أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْفَــإِنِّـــي إلـــــى قَـــــوْمٍ سِــواكُـــمْ لَأَمْـــيَـــلُ قولُه: أَقِيمُوا صُدُورَ مَطِيِّكُمْ: أيْ جِدُّوا في أَمْرِكم وانْتَبِهُوا مِن رَقْدَتِكم، ويُقالُ: مَطِيَّةٌ ومَطايَا ومَطِيٌّ، وقالَ غيرُه: أقامَ صَدْرَ الْمَطِيَّةِ: إذا سارَ، وإذا تَوَجَّهَ لوجهٍ وتَعَنَّاهُ فقد أقامَ مَطِيَّتَه. الأَمْيَلُ: يُريدُ مَائلاً، وعَنَى بقولِه: أَقِيمُوا بَنِي أمِّي صُدورَ مَطِيِّكُم: لأنه كانَ نَازِلاً في فَهْمٍ وعَدْوانَ، وكان أصْلُه مِن الأَزْدِ فعَيَّرُوه فانْصَرَفَ إلى الأَزْدِ. 2 - فقدْ حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌوشُـــــــــدَّتْ لِـــطِـــيَّـــاتٍ مَـــطـــايَـــا وأَرْحُـــــــــلُ حُمَّتْ: قُدِّرَتْ، ومِنه قولُهم: وَافاهُ حُمامُ القَدَرِ، وقد حُمَّ له كذا وكذا: إذا قُدِّرَ له، وقولُه: والليلُ مُقْمِرٌ، أيْ: والأمْرُ واضحٌ لا لَبْسَ فيه ولا شُبهةَ فيه، ومنه الْمَثَلُ: قد أُسْرِيَ عليه بليلٍ، وأَنْشَدَ: (الوافر) وخالدٌ قالَ لي قَـولاً قَنِعْـتُ بِـهِلو كنتُ أعْلَمُ أَنَّى يَطْلُعُ القَمَرُ أيْ: لو كُنتُ أعْلَمُ كيفَ وَجْهُ الأمْرِ ووُضوحُه. والطِّيَّاتُ: الْحَاجاتُ، قالَ غيرُه: الطِّيَّةُ: النِّيَّةُ، والطِّيَّةُ: الوجهُ الذي يُريدُه، وقولُه: والليلُ مُقْمِرٌ، يُريدُ: قد تَبَيَّنَ لي مِمَّنْ أَنا. 3 - وفي الأرضِ مَنْأًى للكريمِ عن الأَذَىوفــيــهـــا لِــــمَــــنْ خــــــــافَ الْــقِـــلَـــى مُــتَـــعَـــزَّلُ الْمَنْأَى: الْمَوْضِعُ الذي يَبْعُدُ به عن الأَذَى، والقِلَى: البُغْضُ، ورَجُلٌ مَقْلِيٌّ: كان يَقلاهُ الناسُ. والمتعَزَّلُ: الْمَعْزِلُ, ويُرْوَى: مُتَحَوَّلُ. 4 - لعَمْرُكَ ما في الأرضِ ضِيقٌ على امْرِئٍسَــــــــرَى راغــــبــــاً أو رَاهِــــبــــاً وَهْــــــــوَ يَـــعْـــقِـــلُ يُقالُ: سَرَى وأَسْرَى، إذا سارَ لَيلاً، ويُقالُ: هو السُّرَى وهِيَ السُّرَى. الرَّهَبُ: الخوْفُ، وكذلك الرُّهْبُ، وبالأرضِ: يُريدُ في الأرضِ. 5 - وَلِي دونَكم أَهْلُون سِيدٌ عَمَلَّسٌوأَرْقَـــــــطُ زُهْـــلــــولٌ وعَـــرفــــاءُ جَــــيْــــأَلُ السِّيدُ: الذِّئْبُ وجَمْعُه سِيدَانٌ. والعَمَلَّسُ: الخفيفُ، والأَرْقَطُ: النَّمِرُ وجَمْعُه نُمُرٌ. والزُّهْلُولُ: الخفيفُ اللحْمِ، والعَرْفَاءُ: الضَّبُعُ؛ سُمِّيَتْ بذلك لأنَّ لها عَوِيلاً، وجَيْأَلُ: اسمٌ مِن أَسمائِها, يقولُ: هذه السِّباعُ هي لِي أهْلٌ دُونَ الإِنْسِ مُسْتَأْنَسٌ بالفَلاةِ، فصَيَّرَهُم كالأهْلِ له، وسُمِّيَتِ الضَّبُعُ بذلك لنَتْنِ رِيحِها، غيرُه: جَيألُ: ثَقيلٌ, والزُّهلولُ الخفيفُ، ويُقالُ: زُهلولٌ: لَيِّنُ الشَّعَرِ؛ وسُمِّيَتْ عَرفاءَ لكَثرةِ شَعَرِها. 6 - هم الرَّهْطُ لا مُستوْدَعُ السرِّ ذائعٌلـدَيْـهِـم ولا الْـجَـانِـي بـمــا جَــــرَّ يُــخْــذَلُ ([1]) [1] يوجد هنا سقط سبعة أبيات بشرحها لعلها لم تصور في الأصل | |||
![]()
|
![]() | رقم المشاركة : 2 | |||
| تفريج الكرب للشيخ: محمد بن القاسم ابن زاكور الفاسي قالَ الشَّنْفَرَى عمْرُو بنُ مالكٍ الأَزْدِيُّ: 1- أَقِيموا بني أُمِّي صدورَ مطِيِّكُمفــإنِّــي إلـــــى قـــــومٍ سِــوَاكُـــم لأَمِــيـــلُ والمعنى: جِدُّوا يا بني أُمِّي في أمْرِكُم؛ فإنَّكم غارُّونَ، وانْتَبِهُوا؛ فإنَّكُم نائمونَ عنْ شَأْنِي الذي هوَ غيرُ شَأْنِكُم، وبمراحلَ عمَّا تتوهَّمُونَهُ منْ مَيْلِي إليكم لكَوْنِي نازلاً فيكم؛ فإنَّنِي أشدُّ مَيْلاً إلى قومٍ غيْرِكُم، أيْ: مَيْلِي إليهم أكثرُ منْ مَيْلِي إليكم وإنْ كنتُ بعيداً منهم، وهوايَ معهم وإنْ لمْ أكُنْ فيهم. وهذا إنذارٌ لبني أُمِّهِ برحِيلِهِ عنهم، ثمَّ قالَ: 2- فقدْ حُمَّت الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌوشُــــــــدَّتْ لِــطَـــيَّـــاتٍ مَــطَـــايـــا وأرْحُـــــــــلُ وخالدٌ قالَ لي قـوْلاً قَنِعْـتُ بـهِلوْ كُنْتُ أعلمُ أنَّى يَطْلُعُ القمرُ والطِّيَّاتُ، كالنِّيَّاتِ لفظاً ومعنى، وواحدُها طِيَّةٌ كَنِيَّةٍ، وهوَ ما ينويهِ المسافرُ منْ وجهٍ. وواحدُ الأَرْحُلِ، رَحْلٌ: وهوَ مركَبٌ للبعيرِ كالراحولِ. وشدُّ الرحلِ: إيثَاقُهُ. وشدُّ المطايا: بمعنى شدِّ أرْحُلِهَا وأدَوَاتِهَا. والمعنى: فقدْ قُدِّرَت الحاجاتُ الداعيَةُ إلى الارتحالِ عنكم، والحالةُ أنَّ الزمانَ مُسَاعِدٌ على ذلكَ، وهوَ الليلُ المقمرُ؛ فإنَّ السيرَ فيهِ يُسَمَّى سُرًى، وعاقِبَتُهُ محمودةٌ عندَ الصباحِ، لا سِيَّمَا إذا كانَ الليلُ مقمراً؛ فإنَّ السُّرَى في القمرِ يبلغُ الغايَةَ، فتُرْفَعُ بحمدِهِ في الصباحِ الرايَةُ، ولَسْتُ بأوحدَ في الارتحالِ، فإنَّ الناسَ قدْ تهَيَّئُوا لهُ، وشَدُّوا أرْحُلَهُم على مطَايَاهُم لقصدِ جهاتٍ مختلفةٍ في طلبِ الحاجاتِ، فَلِي فيهم أُسْوَةٌ. فهذهِ أمورٌ, كلٌّ منها يدعو إلى الارتحالِ، وهيَ تقديرُ الحاجاتِ، ومساعدةُ الزمانِ، والائْتِسَاءُ بالإخوانِ، فاجتماعُها يكونُ أَدْعَى إلى ذلكَ. 3- وفي الأرضِ مَنْأَى للكريمِ عن الأذىوفــيــهــا لـــمــــنْ خـــــــافَ الــقِــلَـــى مُــتَــحَـــوَّلُ يقولُ: والأرضُ واسعةٌ، ففيها ما يُبْعِدُ العزيزَ عن الإذلالِ والإذايَةِ، وفيها أيضاً ما إذا تحَوَّلَ إليهِ مَنْ خافَ وَبَالَ البُغْضِ وسوءَ عاقبتِهِ سَلِمَ وأَمِنَ. وهذا معنى قولِ مَعْنِ بنِ أوسٍ المُزَنيِّ: وفي الناسِ إنْ رَثَّتْ حبالُكَ واصـلٌوفي الأرضِ عنْ دارِ القِلَى مُتَحَوَّلُ أنَّ الأرضَ واسعةٌ غيرُ ضيِّقَةٍ على الراغبِ في الاعتزازِ والراهبِ من القِلَى، فأكَّدَ هذا المفهومَ بقولِهِ: 4- لعَمْرُكَ ما بالأرضِ ضيقٌ على امرِئٍسَــــــــرَى راغــــبــــاً أوْ راهــــبــــاً وهــوَيَــعْــقِــلُ يقولُ: لحَيَاتِكَ قَسَمِي ما في الأرضِ منْ ضيقٍ على امرئٍ سَرَى، أيْ: سارَ ليلاً في حالةِ كونِهِ راغباً في العزِّ مثلاً، أوْ راهباً منْ عُقْبَىالعداوةِ، وهوَ يعقلُ، أيْ: يُمَيِّزُ ما رَغِبَ فيهِ، وما رهِبَ منهُ، فحيْثُما وجدَ المرغوبَ فيهِ أقامَ، فتَتَّسِعُ عليهِ الأرضُ بوجدانِ الراحةِ بإدرَاكِهِ، وحيْثُما وجدَ المرهوبَ منهُ رحلَ فتَتَّسِعُ عليهِ الأرضُ بالخلاصِ منهُ.وهذا معنى ضيقِ الأرضِ وسَعَتِهَا، فمرجعُهُ في الحقيقةِ إلى انقباضِ النفوسِ وانشراحِها بحَسَبِ إدراكِها المُلائِمَ وغيْرَهُ كما أفصحَ بهِ مَنْ قالَ: لعمْرُكَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلِهاولكـنْ أخـلاقُ الرجـالِ تضيـقُ 5- ولي دُونَكُم أهلونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌوأرْقَــــــطُ زُهْـــلُـــولٌ وعَـــرْفَــــاءُ جَـــيْــــأَلُ والعَمَلَّسُ،بفتحِ العينِ المهملةِ والميمِ واللامِ المشدَّدَةِ:الخبيثُ من الذئابِ. والأرقطُ: النَّمِرُ، سُمِّيَ بذلكَ لرقْطَتِهِ، وهيَ سوادٌ مشوبٌ بنُقَطٍ بيضٍ. والزُّهْلُولُ،بزِنَةِ عُرْجُونٍ:الأملسُ. والعرفاءُ هنا: الضَّبُعُ، سُمِّيَتْ بذلكَ؛ لأنَّ لها عُرْفاً, بضمِّ العينِ، أيْ: شَعْراً في عُنُقِهَا. وجَيْأَلُ: منْ أسماءِ الضبعِ، فهوَ بدلٌ منْ عرفاءُ، وهوَ على وزنِ فَيْعَلٍ، ومعرفةٌ بلا ألفٍ ولا لامٍ، قالَهُ في الصِّحَاحِ. ومعنى البيتِ: وَلِي دونَكُم يا بني أُمِّي أهلونَ، أيْ: مُؤَالِفُونَ منْ وحوشِ القِفارِ والمَفَاوِزِ، وهمْ ذئبٌ خبيثٌ ونَمِرٌأملسُ، وضبعٌ ذاتُ عُرْفٍ. والمقصودُ أنَّهُ اعتادَ السفرَ، وتكَرَّرَ منهُ قطعُ المَهَامِهِ، حتَّى ألِفَتْهُ وحوشُها فصارتْ لهُ بمثابةِ الأَهْلِ، أيْ: فلا يَؤُدُّنِي الرحيلُ، ولا يشقُّ عليَّ السيرُ. 6- هم الرهطُ لا مُسْتَوْدَعُ السرِّ شائعٌلـدَيْـهِـم ولا الـجـانـي بـمــا جــــرَّ يُــخْــذَلُ يقولُ: هُمْ – أيْ: ما ذَكَرَ من الوحشِ - الرهطُ لا غيْرُهم، بمعنى أنَّهُم أحقُّ باسمِ الأهلِ والرهطِ من الناسِ؛ فإنَّ مَن استودَعَهُم سرًّا كتمُوهُ فلمْ يُفْشَ عندَهُم، وَمَنْ جنَى جنايَةً على أحدٍ لمْ يُسْلِمُوهُ إليهِ بجريرتِهِ، فيكونُ ذلكَ خِذلاناً منهم لهُ، فأينَ همْ من المُسَمَّيْنَ بالأهلِ، الذينَ يشيعُ لديهم مُستودعُ السرِّ، ويَخْذُلونَ الجانيَ بما جرَّ، فيُسلمونَهُ إلى المجنيِّ عليهِ. 7- وكُـلٌّ أبـيٌّ باسـلٌ غيـرَ أنَّنِـيإذا عَرَضَتْ أُولى الطرائدِ أَبْسَلُ والمعنى: وكلُّ واحدٍ ممَّا ذكَرْتُهُ من الأهلينَ حَمِيُّ الأنفِ لا يُضَامُ، شديدُ الشَّكِيمَةِ لا يُرَامُ بِهَوَانٍ، غيرَ أنَّنِي أشدُّ إباءً لذلكَ منها، إذا ظَهَرَت الأولى من الإبلِ التي شُلَّتْ في الغارةِ، وتَبِعَهَا أربابُها لاستنقاذِها وهمْ أَحْرَدُ شيءٍ إذْ ذاكَ، وأشدُّ حنَقاً، يكادونَ يتمَيَّزُونَ من الغيظِ علينا، فنَاهِيكَ بقتالِهِم وبشجاعةِ مَنْ يجُولُ في مجَالِهِم، ولا يكترثُ بنِزَالِهِم. | |||
![]()
|
![]() | رقم المشاركة : 3 | |||
| أعجب العجب لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري قالَ: أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدورَ مَطِيِّكُمْفإنـي إلــى قــومٍ سِـواكُـمْ لأَمْـيَـلُ وذهَبَ قومٌ إلى أنه مُعْرَبٌ بالجزْمِ، واتَّفَقُوا على أنَّ فعْلَ الأمْرِ للغائبِ، نحوَ لْيَقُمْ، ولْيَذْهَبَ، مَجزومٌ باللامِ الداخلةِ عليه، فهو مُعْرَبٌ اتِّفاقاً، ودليلُ البناءِ، أنَّ الأصلَ في الأفعالِ البناءُ، فهي محكومٌ عليها به، إلاَّ أنْ يَقومَ دليلٌ على إعرابِ شيءٍ منها، فيكونَ إخراجاً لها عن أصْلِها، ولم يُعْرَبْ منها سِوَى المضارِعِ، لشَبَهِهِ بالاسمِ، وهو ما كان في أوَّلِه إحدى الزوائدِ الأربعِ، فيُحْكَمُ عليه بالإعرابِ ما دامَ وَصْفُ المضارَعَةِ باقياً، وذلك إذا كانت زائدةٌ مِن الزوائدِ الأربعِ مَوجودةً في أوَّلِه، فمتى زَايَلَتْه، زالَ شَبَهُه بالاسمِ، فيَعودُ إلى أصْلِه مِن البِناءِ، وأيضاً فإنه لا يَحْتَمِلُ معانيَ يُفَرِّقُ الإعرابُ بينَها. والإعرابُ في الأصْلِ إنما جاءَ لهذا عندَ الْمُحَقِّقِينَ، وقالَ الآخَرونَ: ما فيه اللامُ مُعْرَبٌ، فيُعْرَبُ ما لا لامَ فيه لتقديرِ اللامِ، كما قيلَ: محمَّدٌ تَفْدِ نفْسَك، أيْ: لِتَفْدِ نفْسَك، وحَرْفُ المضارَعَةِ أيضاً مقَدَّرٌ كالمثالِ المذكورِ، ولا تَعويلَ على هذا القولِ؛ فإنَّ الحذْفَ مِن الشيءِ لا يوجِبُ تَغييرَ الصيغةِ، بل يُحْذَفُ ما يُحْذَفُ، ويَبْقَى ما يَبْقَى بعدَ الحذْفِ على حالِه، كقولِك: ارْمِ. فإنَّ الأصلَ إثباتُ الياءِ، وبعدَ حذْفِها بَقِيَ ما كانَ على ما كان، وهذا مَعدومٌ في فعْلِ الأمرِ. ألاَ ترى أنك إذا حذَفْتَ التاءَ مِن تَضْرِبُ، لا تقولُ: ضْرِبْ زَيدًا، بل تَعْدِلُ إلى صِيغةٍ أُخرى هي اضْرِبْ. وأمَّا البيتُ فالأصْلُ تُفْدِي على الخبرِ، وإنما حُذِفَتِ الياءُ للضرورةِ. وبَنِي مَنصوبٌ، والناصِبُ له الفعلُ المحذوفُ، أو حرْفُ النداءِ على اختلافٍ فيه، وحرْفُ النداءِ محذوفٌ, والداعِي إلى حذْفِه إرادةُ الاختصارِ، مع بقاءِ المعنى. والمعتبَرُ لجوازِ الحذْفِ مَوجودٌ، وهو كَوْنُه لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ وصْفاً لـ "أَيّ"، إذ الأصْلُ في قولِك: يا رجُلُ أَقْبِلْ، يأيُّها الرجُلُ أقْبِلْ، فلَمَّا حَذَفُوا أيُّها، لم يَحْذِفوا حرْفَ النداءِ، لئلاَّ يَجتمِعَ حَذفانِ، ولم يكنِ الأصْلُ في قولِك: يا بَنِيَّ، يا أيُّها بَنِيَّ، فإذا حُذِفَ حرفُ النداءِ، لم يَجتمِعْ حَذفانِ، وإنما نُصِبَ المضافُ ولم يُبْنَ كما بُنِيَ المفرَدُ، وإنْ وافَقَه في كونِه مَقصوداً بالنداءِ، ووَاقِعاً موقِعَ الضميرِ كالمفرَدِ؛ لأنَّ الإضافةَ توجِبُ احتياجَ المضافِ إلى المضافِ إليه، فلو بُنِيَ المضافُ دونَ المضافِ إليه، لكانَ مُنْفَرِداً عنه بالبناءِ، وخَرَجَ أنْ يكونَ الاسمانِ كالاسمِ الواحدِ، فوَجَبَ أنْ يَخْرُجَ عن أصلِ بابِ النداءِ, ولأنَّ المضافَ والمضافَ إليه اسمانِ حَقيقةً، فلم يُمكنْ إيقاعُهما موقِعَ الْمُضْمَرِ، لأنه مفرَدٌ. واختُلِفَ في المضافِ إلى ياءِ المتكلِّمِ نحوَ: غُلامِي، وأُمِّي، ونظائرِهما، فذَهَبَ قومٌ إلى أنها لا مُعْرَبَةٌ ولا مَبنيَّةٌ. وآخَرونَ إلى إعرابِها. وآخَرونَ إلى بِنائِها. واحتَجَّ الأوَّلونَ بأنَّ الإعرابَ الاختلافُ، ولا اختلافَ هنا, وهذا مما يُوجِبُ البناءَ، ولم تُشْبِهْ ما تُبْنَى لأجْلِه، وهذا يَقتضِي الإعرابَ، فوجَبَ الوقْفُ. واحتَجَّ مَن قالَ بالإعرابِ، أنَّ الإعرابَ أصْلٌ في الأسماءِ، فإذا عَرَضَ ما يَمنَعُ ظُهورَه، قُدِّرَ كالمقصورِ، والحركةُ في مِثلِ هذا مستَثْقَلَةٌ كاستثقالِها على الاسمِ المنقوصِ. واحتَجَّ مَن قالَ بأنه مَبْنِيٌّ، أنَّ حركتَه صارَتْ تابعةً للياءِ، فتَعذَّرَتْ دَلالتُها على الإعرابِ، وإذا صارَ تابعاً في الحركةِ، صارَ تابعاً في البناءِ للمضمَرِ، ولأنه خَرَجَ عن نظائرِه مِن المضافاتِ، إذ ليس منها ما يَتْبَعُ غيرَه، والعاملُ في المضافِ إليه الجزءُ المضافُ، وهو الاسمُ الأوَّلُ, ولَمَّا كانَ هو الجارَّ له، وثَبَتَ أنَّ الاسمَ لا يَعملُ إلا بالحمْلِ على غيرِه، كان مَحمولاً على جارٍّ وذلك الجارُّ لا يكونُ إلا حَرْفاً، وهو ما ناسَبَ وُقوعَه في ذلك الْمَوْضِعِ وهو "مِن" أو "اللامُ" فنابَ الاسمُ عنه، وليس ثَمَّ حَرْفٌ تَضَمَّنَ الاسمُ معناه، إذ لو كان كذلك لكانَ الاسمُ مَبْنِيًّا. وأمَّا الفاءُ فإنها تُنَبِّهُ على أنَّ ما قبلَها عِلَّةٌ لِمَا بعدَها، ويُؤَيِّدُ ذلك وقوعُها في جوابِ الشرْطِ، وقد تَأْتِي رابطةً لِمَا بعدَها بما قَبْلَها, والأشبَهُ استعمالُها هنا بمعنى التَّعليقِ، وإنْ لم تُوجَدْ صِيغتُه، إذ المعنى: إنْ أَقَمْتُمْ على ما أَرى مِن إهمالِكم أَمْرِي، وغَفْلَتِكم عَنِّي، مِلْتُ إلى غَيْرِكم. والأصْلُ في إِنِّي إِنَّنِي. فحُذِفَتِ النونُ الثانيةُ؛ لأنك لو حَذَفتَ الأُولَى، لاحتَجْتَ إلى تَسكينِ الثانيةِ ليَصِحَّ إدغامُها، فيَحْصُلُ عندَ ذلك حذْفٌ وتَسكينٌ وإدغامٌ، ولا كذلك الثانيةُ، فكانتْ أَوْلَى بالحذْفِ. وإنما دَخَلَتِ اللامُ المفتوحةُ في خَبَرِ إنَّ، لأنَّ مَوْضِعَها الأصليَّ تأكيدُ المبتدأِ، كقولِك: لَزيدٌ قائمٌ، فجَمَعُوا بينها وبين إنَّ، طَلَباً لزيادةِ التوكيدِ، ومَوْضِعُها الأَصْلِيُّ قَبْلُ؛ لأنها استَحَقَّتِ التصَدُّرَ قبلَ إنَّ، فإذا دخَلَتْ إنَّ في الكلامِ، وجَبَ إبقاؤُها على ما كانتْ عليه، ولذلك سُمِّيَتْ لامَ الابتداءِ، وإنما لم يَجمَعُوا بينَهما، لئلا يَتوالَى حَرْفَا تأكيدٍ، ولم يُدْخِلُوها على اسمِ إنَّ مُقَدَّماً، حَذَراً مِن الفَصْلِ بينَها وبينَ مَعْمُولَيْها؛ لأنَّ عَمَلَها ضعيفٌ، ولأنَّ اللامَ إذا وَلِيَتْ (عَلِمْتُ) عَلَّقَتْهَا عن العمَلِ. فتَعليقُها الآنَ بطريقِ الأَوْلَى، وتأخيرُ اللامِ أَوْلَى مِن تَأخيرِ إنَّ لأنَّ (اللامَ) مُؤَثِّرَةٌ في المعنى و (إنَّ) مُؤَثِّرَةٌ في اللفْظِ والمعنى، فكانتْ أحَقَّ بالتقديمِ, واختُصَّتْ (إنَّ) بدخولِ اللامِ في خَبَرِها، لبقاءِ معنى الابتداءِ بعدَ دُخولِها. وأمَّا لكِنَّ، فلَمْ تَدخُلْ اللامُ في خَبَرِها في الاختيارِ، وما يُرْوَى: *ولَكِنَّنِي في حُبِّهَا لعَمِيدُ* فشاذٌّ، لا يُعَوَّلُ عليه، ويُؤَكِّدُ زَوالَ معنى الابتداءِ بدُخولِ لكنَّ، أنها موضوعةٌ للاستدراكِ، وإنَّ للتحقيقِ، والابتداءُ لا استدراكَ فيه، وإنما كُسِرَتْ إذا دَخَلَتِ اللامُ في خَبَرِها؛ لأنها في مَوْضِعِ المبتدأِ، ولو حَذَفْتَهَا، لكانَ ما بعدَها مَرفوعاً بالابتداءِ. وأمَّا سِوَى، فظَرْفُ مكانٍ في الأصْلِ، ويَدُلُّ على ذلك قولُه تعالى: {مَكَانًا سِوَى} فإنها قد وَقَعَتْ صِفةً لمكانٍ. وكذلك وَصْلُهم الموصولَ بها، واستقلالُ الصلةِ بها ـ أيضاً ـ تقولُ: جاءني الذي سِوَى زيدٍ. كما يُقالُ: الذي عندَ زيدٍ، وقالَ تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} وهي هنا بمعنى "غير"، صفةٌ لقومٍ. ولم يَمْنَعْ مِن ذلك إضافتُها إلى المعرِفَةِ، لتقديرِ الانفصالِ فيها، وإذا كانتْ سِوَى بمعنى "غير" ففيها ثلاثُ لُغاتٍ: إنْ ضَمَمْتَ السينَ، أو كَسَرْتَ، قَصَرْتَ، وإنْ فتَحْتَ مَدَدْتَ، تقولُ: سُواكَ، وسِواكَ، وسَوَاؤُكَ, أيْ: غيرُك، وفي كلِّ أحوالِها، ما بعدَها مَجرورٌ بإضافتِه إليها. وقد يَقعُ سِوى فاعلاً، قالَ: ولم يَبْقَ سِوَى العُدوانِ... وإنما اسْتُعْمِلَتْ ظَرْفاً لأنها تُؤَدِّي معنَى بَدَلٍ. وبَدَلٌ جارٍ مَجْرَى مكانٍ، تقولُ: هذا مكانُ هذا، أيْ بَدَلُه، فهكذا تُقَارِبُ الكَلِمَ، وتُنَاسِبُها. وأَمْيَلُ بمعنى مائِلٍ، وأَفْعَلُ بمعنى فاعِلٍ كثيرٌ، كما جاءَ أكْبَرُ بمعنى كبيرٍ، وأَوْحَدُ بمعنى واحِدٍ، فليس المرادُ بـ "أَمْيَلُ" المبالَغَةَ، لأنه يُؤَدِّي إلى اشتراكِهم في الْمَيْلِ، ولم يَكنْ كذلك، وأَمْيَلُ خَبرُ إِنَّ, وإلى تَتعلَّقُ بأَميلَ، لِمَا فيه مِن معنى الفِعْلِ، ولامُ التوكيدِ لا تَمنَعُ ذلك، والنِّيَّةُ به التقديمُ، وقد جاءَ مِثلُ ذلك في الكتابِ العزيزِ: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} . ثم قالَ: فقَدْ حُمَّتِ الْحَاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌوشُــــدِّتْ لِـطِـيَّــاتُ مَـطَــايَــا وأَرْحُـــــلُ والحكمةُ في تَجهيلِ الفاعلِ، شَرَفُه، وخِسَّةُ المفعولِ، وبالعكْسِ، أو غيرُ ذلك، وغُيِّرَ لفْظُ الفعْلِ، ليَدُلَّ على تَغييرِه، على رأيِ مَن زَعَمَ أنَّ ما لم يُسَمَّ فاعِلُه، مُغَيَّرٌ عن فِعْلٍ سُمِّيَ فاعلُه. ومِنهم مَن يَرى أنه أصْلٌ بنَفْسِه، مُرْتَجَلُ الصيغةِ، ارتجالَ ما سُمِّيَ فاعلُه، ومَوضوعٌ مَوْضِعَه، فإذا كان ثُلاثيًّا صَحيحاً، ضُمَّ أوَّلُه وكُسِرَ ثانيهِ، تَمييزاً له عن فِعْلٍ سُمِّيَ فاعِلُه. والتغييرُ قد يكونُ بزيادةٍ ونُقصانٍ وتغييرِ حركةٍ، فكانَ بهذا الآخِرِ أَوْلَى، إبقاءً لصِيغةِ الفعْلِ على أصْلِها, وتَغييرُ آخِرِ الفعْلِ مُمْتَنِعٌ، لأنه قد يُبْنَى للمفعولِ مِن الأفعالِ ما هو مُعْرَبٌ، وذلك هو الفعْلُ المضارِعُ؛ كقولِه تعالى: {يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} وآخِرُ المعرَبِ حرْفُ إعرابِه وهو مَحَلُّ حركةِ الإعرابِ، فكيفَ يُغَيَّرُ؟ ولم يُغَيَّرْ أوْسَطُه فقط، لأنه إنْ ضُمَّ، ففي الأفعالِ المسندَةِ إلى الفاعلِ ما هو مَضمومُ الوسَطِ، وكذا إنْ فُتِحَ أو كُسِرَ فيُؤَدِّي إلى اللَّبْسِ بينَ الْمُغَيَّرِ وغيرِ المغيَّرِ, وتَغييرُ الأوَّلِ أَوْلَى، ولم يُحَرَّكْ بالفتْحِ، لأنها حركتُه الأصليَّةُ، فوَجَبَ أنْ يُغَيَّرَ إلى غيرِها، ولم يُغَيَّرْ بالكسْرِ لأنَّ الكسْرَ عندَهم أخو الفتْحِ، فالكسرةُ أخْتُ الفتحةِ، فيكونُ الكسْرُ كلا تَغييرٍ، وكانَ التغييرُ بالضمِّ أَوْلَى، لأنَّ الاسمَ قد يُغَيَّرُ آخِرُه مِن نَصْبٍ إلى ضَمٍّ، فيُغَيَّرُ أوَّلُ الفعْلِ، مِن فتْحٍ هو نظيرُ النصْبِ, إلى ضَمٍّ هو نَظيرُ الرفْعِ. حُمَّتْ: قُدِّرَتْ، أيْ تَهَيَّأَتْ وحَضَرَتْ، ومُقْمِرٌ: أيْ مُضيءٌ يُقالُ: أَقْمَرَتْ لَيْلَتُنا، أيْ أَضاءَتْ, وشُدَّتْ: قُوِّيَتْ وأُوثِقَتْ، وفي مُضَارِعِه لُغتانِ: يَشُدُّ ويَشِدُّ، والطِّيَّةُ: الحاجةُ، بكسْرِ الطاءِ. قالَ الخليلُ: الطِّيَّةُ تكونُ مَنْزِلاً، وتكونُ مُنْتَأًى، تَقولُ: مَضى لطِيَّتِه، أي لنِيَّتِه التي انْتَوَاهَا، وطِيَّةٌ بَعيدةٌ: أيْ شاسِعَةٌ، وأَرْحُلُ: جَمْعُ رحْلٍ، وهو رحْلُ البَعيرِ، أصْغَرُ مِن القَتَبِ. والمعنَى: انْتَبِهُوا مِن رَقْدَتِكم، فهذا وقتُ الحاجةِ، ولا عُذْرَ لكم، فإنَّ الليلَ كالنهارِ في الضوءِ, والآلةُ حاضرةٌ عَتيدةٌ، وكُسِرَتِ التاءُ مِن حُمَّتْ لالتقاءِ الساكِنَيْنِ، والليلُ مُقْمِرٌ، جُملةٌ مِن مُبتدأٍ وخبرٍ، مستأنَفَةٌ لا مَوضِعَ لها مِن الإعرابِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً، والأوَّلُ أجْوَدُ، إذ ليس مقصودُه أنَّ الحاجاتِ قد حَضَرَتْ في هذه الحالةِ، وإنما مَقصودُه الإخبارُ بأنْ لا عُذْرَ لهم، ليَجِدُّوا في أُمورِهم، وأيضاً، فإنَّ قولَه: فقَدْ حُمَّتْ لا مَوْضِعَ له، وهذا مَعطوفٌ عليه، فله حُكْمُه, وهو عَطْفُ جُملةٍ على جُملةٍ. وفي الأرضِ مَنْأًى للكريمِ عن الأَذَىوفـيـهــا لِــمَــنْ خــــافَ الـقِـلَــى مُـتَــعَــزَّلُ فـإنَّـك كاللـيـلِ الــذي هــو مُـدْرِكِــيوإنْ خِلْتُ أنَّ الْمُنْتَأَى عنكَ واسِعُ أيامَ أمِّ الغَمْرِ لا يَقْلاَهَا والمتعزَّلُ: الْمَوْضِعُ الذي يُعْتَزَلُ فيه. مَنْأًى اسمٌ مُعْتَلٌّ مقصورٌ، سُمِّيَ بذلك لِحَبْسِه عن الإعرابِ، ولم تَظْهَرْ فيه الحركةُ الإعرابيَّةُ؛ لأنَّ الألِفَ حَرْفٌ هَوَائِيٌّ يَجرِي مع النفَسِ، لا اعتمادَ له في الفَمِ، والحركةُ تَقْطَعُ جَرْيَ الحرْفِ عن استطالتِه، فلذلك لم يَجْتَمِعَا ومتى حُرِّكَتِ انقَلَبَتْ هَمزةً، فتَخرُجُ عن أصْلِها، ويُعْرَفُ إعرابُ هذا النوعِ، بما قَبْلَه مِن العامِلِ، هل اقْتَضَى رَفْعاً أو نَصْباً أو جَرًّا، وبما بعدَه, فبالتابِعِ مِن وَصْفٍ أو عطْفٍ أو غيرِه, فإعرابُ التابعِ كإعرابِ المتبوعِ، تقولُ: هذا مَنْأًى قَريبٌ، فبِأَيِّ حركةٍ حَرَّكْتَ قَريباً، فاحكُمْ على مَنْأًى به. وكذا يَجْرِي حكْمُ الْمَبْنِيَّاتِ مما ليس مَقصوراً، أو كان مَقصوراً إلا أنَّ بينَه وبينَ كَمْ ومِن، وما شابَهَهُما، مما كان يُمْكِنُ تَحريكُ آخِرِه بحركةِ الإعرابِ، ولم يُحَرَّكْ لبِنائِه، فَرْقاً في الحكْمِ عليه في الإعرابِ. وذلك أنَّ ما كان مَقصوراً، يكونُ مُعْرَباً بالحركةِ الإعرابيَّةِ، مقَدَّرَةً على آخِرِه؛ لأنها مُسْتَحِقَّةٌ له، وامتنَعَ ظُهورهُا لنُبُوِّ الألِفِ عنها. فكأنها ملفوظٌ بها، وأمَّا مِن وكم ونظائرُهما فلا تُقَدَّرُ على الحرْفِ الآخِرِ منها حركةُ الإعرابِ؛ لأنَّ امتناعَ الحركةِ لم يَكُنْ، لأنَّ آخِرَه غيرُ قابلٍ لها، بل لأنَّ الاسمَ بكمالِه امْتَنَعَ دُخولُ الإعرابِ عليه، ففي الْمَبْنِيِّ تقولُ: هو في مَوْضِعِ اسمٍ مرفوعٍ، أو منصوبٍ، أو مجرورٍ، وفي المقصورِ: هو في تقديرِ نصْبٍ أو رَفْعٍ أو جَرٍّ، وقد لا يَمتنِعُ الإطلاقُ عليه بما أُطْلِقَ على الأوَّلِ، غيرَ أنَّ حكْمَ التحقيقِ ما ذَكَرْنَاهُ. ومَنْأًى مُبتدأٌ, وجَوَّزَ الابتداءَ به شيئانِ، أحَدُهما: تَقَدُّمُ الخبرِ، والثاني: كونُه مَوصوفاً بالجارِّ والمجرورِ، وهو قولُه: للكريمِ. وعن الأَذَى، مَوْضِعُه نَصْبٌ بِمَنْأًى، ومُتَعَزَّلُ مُبتدأٌ أيضاً، وفيها الخبَرُ، ولِمَنْ خافَ القِلَى، يَجوزُ أنْ يكونَ صِفَةً لِمُتَعَزَّل، قُدِّمَ فصارَ حالاً، وأنْ يكونَ مَفعولاً لِمُتَعَزَّل. لعَمْرُكَ ما بالأرضِ ضِيقٌ على امْرِئٍسَــرَى راغِـبـاً أو راهـبــاً وهـــو يَـعْـقِـلُ والأصْلُ الإتيانُ بفِعْلِ القَسَمِ في كلامِهم، حتى صارَ يُوصَلُ به الكلامُ، ويَقَعُ حَشْواً فيه، فلا يُعَدُّ فَصْلاً، وقد يُلْغَى لذلك فلا يُؤتَى بجَوابِه، فتَصَرَّفُوا فيه، بأنْ حَذَفُوا الفعْلَ وأَبْقَوُا الْمُقْسَمَ به. واللامُ في "لَعَمْرُكَ" لامُ الابتداءِ وليستْ جوابَ القَسَمِ؛ لأنَّ القسَمَ لا يُجابُ بالقَسَمِ، وإلا لتَسَلْسَلَ ولم يُثْبِتُوهُ، ولا يُستعْمَلُ في القَسَمِ مِن اللغاتِ الثلاثِ إلاَّ المفتوحةُ لأنها أخَفُّ اللغاتِ، ووَزْنُها أخَفُّ الأوزانِ الثلاثيَّةِ كلِّها. والقَسَمُ كثيرُ الاستعمالِ عندَهم فاخْتَارُوا له أَخَفَّها، قالَ الْحَبْرُ ابنُ عَبَّاسٍ: "لم يُقْسِمِ اللهُ بحياةٍ غيرِ حياةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ" ـ وخَبَرُ هذا المبتدأِ محذوفٌ، وهو قَسَمِي، أيْ لعَمْرُكَ قَسَمِي. وضِيقٌ مُبتدأٌ وُصِفَ بقولِه على امْرِئٍ، وبالأرضِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. وسَرَى صفةٌ لامْرِئٍ, ورَاغباً حالٌ مِن الضميرِ في سَرَى، وكذلك رَاهباً، والعامِلُ فيهما سَرَى، وهو يَعقِلُ مُبتدأٌ وخبرٌ، مَوْضِعُهما حالٌ مِن الضميرِ في سَرَى، ويَجوزُ أنْ يكونَ صاحبُهما، في راغباً أو راهباً لأنهما كشيءٍ واحدٍ، تقديرُه رَاغباً فيهما لِمَا يُخافُ أو يُرْجَى. وَلِي دُونَكُم أَهْلُونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌوأَرْقَــطُ زُهـلــولٌ وعَـرْفَــاءُ جَـيْــأَلُ كالسِّيدِ ذي اللِّبْدَةِ الْمُسْتَأْسِدِ الضَّارِي والعَمَلَّسُ الذئْبُ القويُّ على السيْرِ السريعِ. قالَ الشاعِرُ: عَمَلَّسُ أسفارٍ إذا استَقْبَلَتْ لهسَـمـومٌ كـحَـرِّ الـنــارِ لـــم يتَـلَـثَّـمِ اللامُ في وَلِي، لامُ الْمِلْكِ، كقولِك: الْمَالُ لي، وتكونُ للاختصاصِ، كقولِك: السَّرْجُ للدابَّةِ، والْمِلْكُ أعَمُّ؛ لأنَّ كلَّ مِلْكٍ اختصاصٌ, وليس كلُّ اختصاصٍ مِلْكاً. وأَصْلُ حَركةِ هذه اللامِ الفتْحُ؛ لأنها مِن الحروفِ الأُحَادِيَّةِ، كهمزةِ الاستفهامِ، وحَرْفِ النفيِ، وواوِ العطْفِ، ولذلك جاءَتْ مع المضمَرِ مفتوحةً، كقولِك: له، ولهما، ولهنَّ، ولهم. والضمائرُ تَرُدُّ الأشياءَ إلى أُصولِها عندَهم، وإنما كَسَرُوها مع ضميرِ الْمُتَكَلِّمِ إتْبَاعاً؛ لأنَّ ما قَبْلَه لا يكونُ إلاَّ مَكسوراً, نحوَ غلامِي، أو في حكْمِ المكسورِ، نحوَ عَصَايَ وبُشْرَايَ، وكَسَرُوها مع الْمُظْهَرِ، نحوَ لِزيدٍ، ليُفَرِّقُوا بينَها وبينَ لامِ الابتداءِ؛ لأنها قد تَلتبِسُ بها في بعضِ الْمَواضِعِ، ألاَ تَرَى أنك إذا قُلتَ: إنَّ هذه العبدَ لَزيدٌ، ووَقَفْتَ على الدالِ مِن زَيدٍ، مُريداً أنه زَيدٌ، ثم كَرَّرْتَ هذا اللفْظَ مُريدًا أنه مِلكُ زيدٍ، فالأوَّلُ لامُ الابتداءِ، والثاني لامُ الْجَرِّ. وقد رُوِيَ كسْرُها مع المضمَرِ غيرَ ياءِ المتكلِّمِ نحو: لِه مالٌ. وفَتْحُها مع الْمُظْهَرِ، نحوَ: لَزيدٌ لَوالٍ، وهذا مِن الشذوذِ. وإنما جَمَعَ أَهلونَ جَمْعَ سَلامةٍ هنا؛ لأنه نَزَّلَها مَنْزِلَةَ أهْلِه في الانقطاعِ والاستئناسِ بها، وأَهلونَ مُبتدأٌ و"لِي" خَبَرُه، وفي "دُونَكم" قَولانِ: أحَدُهما: أنه صِفةٌ لـ "أَهلونَ" في الأصْلِ, قُدِّمَ فصارَ حالاً، وهو بمعنى غير، وهكذا كلُّ صِفةٍ تَقدَّمَتْ مَوصوفَها وكانَ الموصوفُ نَكِرَةً، كقولِ الشاعرِ: فــهــلا أَعَــدُّونِــي لِـمِـثْـلِــي تَـفَــاقَــدُواوفي الأرضِ مَبثوثاً شُجاعٌ وعَقْرَبُ لعَـزَّةَ مُوحِشـاً طَـلَـلٌ قَـدِيـمُعَفاهُ كلُّ أَسْحَمَ مُسْتَدِيمُ والقولُ الثاني في "دونَكم"، إذا قيلَ: إنه صِفَةٌ. فتَحَهُ فَتْحَةُ إعرابِ الصفةِ، وإذا قيلَ: إنه ظرْفٌ. فتَحَه إعرابُ الظرْفِ، ومَذهَبُ الأخْفَشِ، أَهلونَ مَرفوعٌ بالجارِّ الذي هو ارتفاعُ الفاعلِ، بفعْلِه وسِيدٌ وما بعدَه مِن الأسماءِ المعطوفةِ عليه، يَجوزُ أنْ يكونَ بَدَلاً مِن أَهلونَ، وأنْ يكونَ كلُّ واحدٍ منها خبرَ مُبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ أحَدُها سِيدٌ، وكذلك باقِيهَا، وجَيألُ اسمُ عَلَمٍ مؤَنَّثٍ، لا يَنصَرِفُ لذلك. هُمُ الأهْلُ لا مُسْتَوْدَعُ السِّرِّ ذَائِعٌلدَيْهِم ولا الْجَانِي بما جَرَّ يُخْذَلُ هم ضَميرٌ مرفوعٌ مُنْفَصِلٌ، والأصْلُ هُمُو بواوٍ بعدَ الميمِ؛ لأنَّ علامَةَ الجمْعِ مقابِلَةٌ لعَلامَةِ التثنيةِ، وقد تَقَرَّرَ أنَّ الألِفَ زِيدَتْ بعدَ الميمِ للتثنيةِ، فتَزدادُ الواوُ للجمْعِ؛ ولأنَّ علامةَ جَمْعِ المؤنَّثِ ـ نحوَ أَنْتُنَّ ـ حَرفانِ، ففي الْمُذَكَّرِ كذلك الميمُ والواوُ، وإنما حُذِفَتِ الواوُ، لتوالِي الضَّمَّاتِ وثِقَلِ الواوِ، وقد أُمِنَ اللَّبْسُ، فإنَّ الواحِدَ لا مِيمَ فيه، والتثنيةُ فيها الألِفُ, فلَمْ يَبْقَ غيرُ الْجَمْعِ، وهذا الضميرُ مُبتدأٌ، والرافِعُ له عندَ الْمُحَقِّقِينَ الابتداءُ، وهو كونُه أوَّلاً مُقْتَضِياً ثانياً، والأهْلُ خَبَرُه. وأمَّا لا فغيرُ عامِلةٍ هنا؛ لأنَّ عمَلَها ضَعيفٌ، إذ هي غيرُ متَمَكِّنَةٍ في بابِ العواملِ؛ لأنها فرْعُ إنَّ، وإنَّ فَرْعٌ، فـ"لا" فرْعُ فرْعٍ. فأمَّا معناها في النفيِ فباقٍ، ومعنى الحرْفِ ليس بلازِمٍ، لعَمَلِه، ليَرْتَفِعَ أحدُهما بارتفاعِ الآخَرِ، ويَجِبَ بوُجوبِه، والمعرِفَةُ ليس مِن بابِه العمَلُ فيها، ولا هي مِن مَعمولاتِه، ومُسْتَوْدَعُ مَعرِفَةٌ، فلا يَعمَلُ لا فيه، وإضافةُ السرِّ إليه بمعنى مِن، أيْ لا الْمُسْتَوْدَعَ مِن السرِّ. والإضافةُ هنا مَحْضَةٌ، ومستوْدَعُ مُبتدأٌ وخَبَرُه ذائعٌ، ومَوْضِعُ هذه الجملةِ نَصْبٌ على الحالِ، تَقديرُه حافظينَ، والعامِلُ في الحالِ معنى الجملةِ؛ لأنَّ قولَه هم الأَهْلُ، معناه هم المستأْنَسُ بهم، القائمونَ مَقامَ الأهلِ. ومِثْلُ هذا يَعملُ في الحالِ، ونَظيرُه ما شَأْنُكَ دَاعياً ومُتَضَرِّعاً، وقولُهم: يا جَارَتَا ما أنتِ جَارَةً، أيْ عَظُمْتِ جَارَةً. ولَدَيْهم بمعنى عندَ، وهي ظرْفُ لذائع، أيْ ليس مُنْتَشِراً بينَهم، ويَمْتَنِعُ جَعْلُه ظَرْفاً لِمُسْتَوْدَع؛ لأنه يُؤَدِّي إلى الفَصْلِ بينَ العامِلِ والمعمولِ بخَبَرِ العامِلِ؛ ولأنَّ المستودَعَ هو السرُّ على ما مَضَى، وليس المقصودُ نَفْيَ السرِّ عنهم، وإنما نَفْيُ انتشارِه. والجانِي مُبتدأٌ، ويُخْذَلُ خبرُه. والباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "يُخْذَلُ", وما مَصدريَّةٌ، والتقديرُ ولا الجانِي مَخذولٌ بجَريرتِه، ويَجوزُ أنْ تَكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أيْ بما جَرَّهُ، ويَجوزُ أنْ تكونَ نَكِرَةً مَوصوفةً، وهي مُساوِقَةٌ لـ "الذي" في كونِها في سِياقِ النفيِ، فتَعُمُّ, وهي أَقْعَدُ في المعنى مِن الوَجهينِ الآخَرَيْنِ. ثم قالَ: وكُــــلٌّ أَبِــــيٌّ بــاسِــلٌ غــيــرَ أَنَّــنِــيإذا عَرَضَتْ أُولَى الطَّرَائِدِ أَبْسَلُ وقَبْلَكَ ما هابَ الرجالُ ظُلاَمَتِيوفَـقَّـأْتُ عَـيْـنَ الأَشْـــوَسِ الأَبـيــانِ وأمَّا قولُه: وكلٌّ. فالمرادُ به كلُّ واحدٍ مِن هؤلاءِ الذين ذَكَرْتُ على الانفرادِ والاجتماعِ، وهي مُفْرَدَةُ اللفْظِ مجموعةٌ في المعنى, ولهذا يُرَدُّ الراجِعُ تَارةً إلى لفْظِها، كقولِه تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} وتارةً إلى معناها، كقولِه تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} والإضافةُ مُقَدَّرَةٌ، أيْ كلُّ واحدٍ، فحَذَفَ المضافَ إليه مُريداً له، وبَقِيَ حكْمُ الإضافةِ، وهو تَعريفُ كُلٍّ، يُؤَيِّدُ ذلك قولُهم: جاءَنِي القومُ كلٌّ راكباً, ورأيتُ كُلاًّ مُصَلِّياً، فنَصَبَ الحالَ عن كلٍّ في الحالَيْنِ جَميعاً، وقد ذَهَبَ أكثَرُ الناسِ إلى امتناعِ دُخولِ الألِفِ واللامِ على كلٍّ؛ لأنَّ الإضافةَ مُقَدَّرَةٌ فيه حكْمًا، كما قَدَّمْنَا ذِكْرَه وأَمَّا رفْعُه؛ فلأنه مُبتدأٌ، وخَبَرُه أَبِيٌّ. ولفْظُ (كُلٌّّ) نَكِرَةٌ، غيرَ أنَّ ما فيه مِن معنى العمومِ، جَبَرَه، فكانَ مُبتدأً، ولَفْظُ " أَبِيٌّ " مُفرَدٌ، موافَقَةً للفْظِ كلٍّ، وقد تَقدَّمَتْ أمْثِلَتُه، وباسِلٌ خَبَرٌ ثانٍ، وهو أَجْوَدُ مِن جَعْلِه صِفةً للخبرِ، و"غير" مَنصوبةٌ على الاستثناءِ، والاستثناءُ منقَطِعٌ، أي: لكنْ أنا أَبْسَلُ منهم. وإذا مَوْضِعُها نصْبٌ بأَبْسَلَ، أيْ: أنا أَشْجَعُ منهم وقتَ عُروضِ الطرائدِ، وعَرَضَتْ مَوْضِعُها جَرٌّ بإذا، وأُولَى مُؤَنَّثَةٌ مِثلُ الأُخْرَى، ومُذَكَّرُهُما أوَّلُ وآخِرُ. | |||
![]()
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
![]() | |||||||||
|
أدوات الموضوع | |
| |